قلب جديد …
توجهت لطبيبها وأخبرته أنها تريد قلباً جديداً… لم يفهم قصدها في بداية الأمر وظنها تمزح كعادتها، إبتسم و أجاب: الا ترغبين بالمرة بتغيير الكلى أو إعادة زرع المعدة … تلقت مزحته بوجه جامد وبدا عليها أنها تضايقت من لامبالاته …
كانت تنقر بعصبية بسن القلم الذي تحمله على طرف الطاولة … وقالت بكلمات مقتضبة دون أن ترفع عينيها عن القلم: أرجوك دكتور حاول أن تفهم ما أقصد !!
الطبيب: كلي أذان صاغية … !!!
هي: عندما نفقد الإحساس بوجود شيء ما داخلنا، الا يعني ذلك أنه لم يعد جزءًا منا حتى لو كان يؤدي دوره على أكمل وجه ؟؟!!
بدت على سحنة الطبيب علامات الاستغراب وظن أن مريضته، تلك السيدة الشابة التي كانت شعلة نشاط و مرح قد أصيبت بضربة شمس ! وامتدت يده إلى الترمومتر ليقيس حرارتها … لكنها تمنعت بلطف قائلة: دكتور لست أعاني حمى الجسد… حرارتي طبيعية … لكني أعاني أعراض أخطر !!
بدا على الطبيب اهتمام أكبر بما تقول، عاد إلى مقعده، اعتدل في جلسته وقرر أنه سيستمع إلى كل ما ستقوله دون مقاطعة…
هي: أترى صورة ذاك الطفل على إعلان اليونيسيف وراء ظهرك، بجسده النحيل وعيونها الغائرة وبطنه المنتفخ من الجوع … مثل هذا المنظر لم يعد يحرك في أدنى شعور… لا شيء… اللهم شعوراً بالتقزز والنفور !
بالأمس كنت أشاهد قناة الجزيرة و كان هناك نقل لصور انفجار أودى بحياة الكثير من الأطفال … كان هناك الكثير من الدم … وأمهات تبكي بحرقة… كل ما فعلته أنني حولت نظري إلى ابني عمار فوجدته يلعب بطمأنينة في ركن من غرفة المعيشة وقد نثر حوله لعبه الجميلة… وفكرت كم نحن محظوظون أننا ننعم بالأمن والأمان … ثم غيرت المحطة لأتابع مسلسلي المفضل …
انخرطت بعد ذلك في بكاء هستيري … و ظل الطبيب مشدوها لا يفهم تماماً ماذا تقصد مريضته … وعبثاً يحاول الربط بين كلامها و رغبتها في زرع قلب جديد …
بعد أن هدأت قليلاً، تابعت : لقد تعبت من حمل هذا القلب بين ضلوعي، قلب لا يحس بالآم المتألمين، لا يبكي لبكاء المعذبين … لا أدري كيف صار بتلك القسوة… لقد كنت أبكي إذا شاهدت قطا جريحاً … وألان لا تحركني برك من الدم البشري !!
ظل الطبيب لبرهة يتأمل مريضته … شعر بأنه لا يملك شيئاً ليقوله… امتدت يده إلى القلم و تمتم : سأكتب لك بعض المهدئات … وبالنسبة لقلبك أظنك قصدت الطبيب الخطأ…
ظلت جملته الأخيرة ترن في أذنها … حملت حقيبتها وتركت روشتة الدواء على مكتبه … وتركته يبتلع كلماتها…
سارت على غير هدى في الشوارع، نسيت أين ركنت سيارتها … كان تعاني حمى الروح… حمى الأسئلة التي لا تجد لها جواباً عند إنسان آخر …
لم تدري كم سارت من الوقت … لكن صوتا انتشلها من بركان الأسئلة الثائر … الله أكبر …
ترأى لها المسجد … ولمحت شيخاً يسير بخطى مطمئنة قاصداً بابه… لم يكن وجهه ممتقعاً مثل وجهها … هي التي قضت ساعة أمام مرآتها ترمم ذبوله … كان وجهه مريحاً… وشفتيه تنبلجان عن آبتسامة غامضة وكأنه يعرف شيئاً لا يعرفه الآخرون …
ابتسمت في رضا … وتنفست بعمق … لم تعد بحاجة أن تسير أكثر… فقد وجدت طبيبها …